تدهور البيئة يُعرّض صحة البشر للخطر
الخطر على أشدّه في البلدان الفقيرة
-- نشرت منظمة الصحة العالمية تقريراً بعنوان "النُظم الإيكولوجية وعافية البشر: تحليل صحي"، وهو يمثّل محاولة لبيان العلاقات المعقدة القائمة بين الحفاظ على صحة النُظم الإيكولوجية الطبيعية وتنوعّها وبين صحة البشر.
وقال الدكتور جونغ-ووك لي، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، "لقد أدخل الإنسان خلال السنوات الخمسين الماضية تغييرات على النُظم الإيكولوجية الطبيعة بسرعة وكثافة لم تشهدهما أي فترة مماثلة في تاريخ البشرية. وقد أسهم هذا التحوّل الحاصل في المعمورة في تحقيق مكاسب واضحة في مجال صحة البشر وعافيتهم ومجال التنمية الاقتصادية. غير أنّ جميع الأقاليم والفئات البشرية لم تستفد من تلك المكاسب بالقدر ذاته."
ويلحق التدهور، في الوقت الحاضر، بقرابة 60% من المنافع التي يعود بها النظام الإيكولوجي العالمي أو أنّها تُستخدم بشكل غير مستدام لأغراض العيش فوق الأرض (مثل المياه العذبة والهواء النقي والمناخ المستقر نسبياً). ويفيد العلماء، في التقرير المذكور، بأنّ ذلك التدهور بدأت عواقبه تنعكس في صحة البشر وهذه النتائج يمكن أن تتفاقم بشكل كبير خلال السنوات الخمسين المقبلة.
وقال الدكتور كارلوس كورفالان، خبير منظمة الصحة العالمية الذي أشرف على إعداد التقرير، "لا بد من الاعتراف بتلك المنافع. غير أنّ الجميع لا يستوون في الاستفادة منها. وينبغي لنا الآن مواجهة المخاطر الماثلة أمامنا بسبب تدهور النُظم الإيكولوجية، وبخاصة على مستوى الفئات السكانية الفقيرة التي تعتمد على تلك النُظم لسدّ العديد من احتياجاتها الأساسية."
ويشدّد التقرير المذكور على أن موارد النُظم الإيكولوجية تؤدي دوراً بالغ الأهمية في مجالي الوقاية من الأمراض وحفظ الصحة. فكثير من الأمراض البشرية الهامة نشأت لدى الحيوانات، والتغيّرات التي تحدث في مواطن الحيوانات من نواقل الأمراض أو مستودعاتها قد تؤثّر في صحة الإنسان، بشكل إيجابي أحياناً وبشكل سلبي أحياناً أخرى. فهناك اعتقاد، على سبيل المثال، بأنّ فيروس نيباه نشأ بعد أن دفعت نيران استصلاح الغابات في إندونيسيا بالخفافيش الحاملة له إلى ماليزيا، حيث أصاب الفيروس الخنازير التي تُربّى في المزارع بأعداد كبيرة، وانتقل منها إلى البشر.
كما يلاحظ التقرير أنّ إنتاج الحيوانات بأعداد كبيرة يتسبّب أيضاً، بالرغم من إسهامه في تحسين التغذية، في إيجاد تربة خصبة لنشأة الأمراض. كما أنّ اختلاط الإنسان بالحيوانات البريّة وتناوله لحوم الصيد نتيجة زحفه إلى الغابات وتغيّر نظامه الغذائي يزيد أيضاً من فرص انتقال الأمراض.
ويبدو أنّ التحوّلات الجارية، انطلاقاً من استصلاح الغابات ووصولاً إلى تغيير الموطن الناجم عن المناخ، قد أثّرت كذلك في بعض الفصائل المعيّنة من البعوض والقراد والذباب الصغير، وأحدثت تغييراً في أنماط انتقال أمراض مثل الملاريا وداء لايم.
ويشير التقرير إلى أنّ الضغوط الممارسة على النُظم الإيكولوجية يمكن أن تخلّف آثاراً غير متوقعة قد تكون وخيمة على الصحة في المستقبل. ومن بين الأقاليم المعرّضة لأشدّ المخاطر في الوقت الحالي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وآسيا الوسطى وبعض المناطق من أمريكا اللاتينية وبعض المناطق المحدّدة من جنوب آسيا وجنوب شرقها. وفيما يلي بعض من أكبر المشاكل القائمة في هذا المجال:
التغذية: تدهور مصايد الأسماك والنُظم الإيكولوجية الزراعية من العوامل المسبّبة لسوء التغذية التي تصيب نحو 800 مليون نسمة في جميع أرجاء العالم. وهناك ما لا يقلّ عن مليار من أولئك الذين يعانون حالات مزمنة من عوز المغذيات الزهيدة المقدار.
مياه الشرب المأمونة: تودي الأمراض المعدية ذات الصلة بالمياه بحياة 2ر3 مليون شخص في السنة، ممّا يشكّل 6% تقريباً من مجموع الوفيات التي تحدث سنوياً على الصعيد العالمي. ولا تُتاح لأكثر من مليار شخص فرص الحصول على إمدادات المياه المأمونة، في حين يفتقر 6ر2 مليار نسمة إلى وسائل الإصحاح المناسبة، ومافتئت المشاكل المرتبطة بشحّ المياه تزداد بسبب عدة عوامل منها استنفاد النُظم الإيكولوجية وتلوّثها.
الاعتماد على الوقود الصلب: إنّ حوالي 3% من عبء المرض العالمي تُعزى إلى تلوّث الهواء في الأماكن المغلقة، الذي يُعد أحد الأسباب الرئيسية الكامنة وراء حدوث الأمراض التنفسية. ويستخدم معظم سكان العالم الوقود الصلب لطهي الطعام والتدفئة، مما يسهم في إزالة الغابات.
وصرّحت ماريا نيرا، مديرة إدارة حماية البيئة البشرية بمنظمة الصحة العالمية، "إنّ صحة البشر مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بصحة النُظم الإيكولوجية التي تلبّي الكثير من احتياجاتنا الأساسية. ويتعيّن علينا، نحن العاملين في القطاع الصحي، أن نراعي تلك النُظم في خططنا وأن نسعى، مع القطاعات الأخرى، إلى ضمان جني أكبر المنافع منها في سبيل الصحة، الآن وفي المستقبل."
ويمثّل التقرير الخاص بالتحليل الصحي مساهمة من قبل منظمة الصحة العالمية في مشروع تقييم النُظم الإيكولوجية في الألفية، وهو عبارة عن سلسلة من الدراسات والتقارير تستغرق أربع سنوات بمشاركة أكثر من 1300 عالم من أجل بحث تأثير تدهور البيئة في صحة البشر وعافيتهم في الماضي والحاضر والمستقبل.